الندوة العالمية للمولد النبوي

إن رئاسة الشؤون الدينية تطرح قضايا مهمة للجمهور كل عام في مناسبات مثل "المولد النبوي الشريف، أسبوع المساجد والموظفين الدينيين، شهر رمضان". وبالنظر إلى تقارب زمن المناسبتين " أسبوع المساجد والموظفين الدينيين" و " أسبوع المولد النبوي " هذا العام، فقد تقرر الاحتفال بهما معًا. وتم تحديد موضوع الندوة العالمية للمولد النبوي التي ستعقد بمناسبة هذا الأسبوع على أنه "نبينا الكريم ﷺ والمساجد والإرشاد ". فنحن نتحمل مسؤولية تطويرِ نموذجٍ للدعوة والإرشاد مناسب لظروف اليوم، وتحديد منظور مستقبلي لخدماتنا التي تتمحور حول المساجد. عند هذه النقطة، يمثل النبي ﷺ خير دليل وقدوة لنا.

إن جميع الأنبياء المرسلين من عند الله تعالى بينوا الطريق إلى الحق والسعادة في الدنيا والآخرة للمجتمعات التي أرسلوا إليها. وقد كانوا قدوة ومرشدين لهم بالسير على هذا الطريق. إذا فكرنا من ناحية الإسلام خاصة، فإن كلا من الإرشاد والتبليغ أوالدعوة يشكلان جوهر أنشطة تعريف الناس بالإسلام. فالتبليغ أوالدعوة هو التلقين الديني الذي يتم إجراؤه للذين لم يعتنقوا الإسلام بعد، أما الإرشاد فهو التلقين الديني والتعليم والتدريب لمن اعتنقوا الإسلام كدين. وقد كُلّف النبي ﷺ بدعوة الناس في المجتمع الذي يعيش فيه، إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة (سورة النحل، الآية 25)، بدءاً بأقاربه (سورة الشعراء، الآية 214). وقد كافح ﷺ حتى لا تكون فتنة في الدنيا ويكون الدين كله لله وحده (سورة الأنفال، الآية 39)، ويظهرَ الإسلام على جميع الأديان ويسود (سورة الفتح، الآية 28).

ومما لا شك فيه أن الطريقة النبوية المتبعة كانت لها أثر فعال في نجاح نبينا الحبيب في أعمال الدعوة والتوجيه، التي استمرت تحت إشراف الوحي. وقد كان إيمانه ﷺ وجهده وإخلاصه وتفانيه وصدقه وأمانته وصبره ورحمته وبلاغته وفصاحته أعظم مناصريه في هذه العملية. فقد كان النبي ﷺ يقدر مخاطبيه، ويعرفهم جيدًا، ويتصرف وفقًا لمستواهم العقلي، ومكانتهم الإجتماعية والظروف التي يعيشون فيها. وكان دائمًا أول من يطبق ما بلغ به، ومثالًا حيًا لما قاله. لذلك فإن كل كلمة قالها كان لها أثر في نفوس الناس. كان ﷺ يمس القلوب برأفته ورحمته وتسامحه، ووجهه المبتسم، ولغته الحلوة، وأسلوبه المشوق. وقد تبنى مبدأ تصحيح الأخطاء دون أن يؤذي الناس ويفضحهم، وحاول تحذير المخاطبين من خلال التعبير عن الأخطاء بشكل عام. كما قال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " (صحيح البخاري، العلم، 11) وجعل مقولته هذه شعاره في الحياة. وكان يراعي حالة مخاطبيه إذا أراد أن يعظهم ويعبّرُ عن كلماته بأسلوب قصير وموجز في فترة لا ينصرف فيها انتباه السامعين. كان يوجه انتباه مخاطبيه إلى ما سيقوله بإلقاء أسئلة ملفتة، ويكرر كلامه ثلاث مرات في الأمور التي كان يراها مهمة، من أجل فهم أفضل للمسألة. وقد كان يستعمل أسلوب التصوير أي التمثيل، في الدعوة والتوجيه؛ ويورد قصصا في مواضيع الإيمان والعبادة والأخلاق. لقد أظهر النبي ﷺ اهتمامًا خاصًا لجميع شرائح المجتمع في أنشطة الإرشاد.

لم يكن للمسلمين معبد خاص في مكة قبل الهجرة. فكانوا يصلون في السنوات الأولى للبعثة بالقرب من الكعبة إذا لم يواجهوا معارضة من قبل المشركين، أما في الأوقات الأخرى فكانوا يتعبدون في أماكن/ بيوت منعزلة. ويمكن أن نقول أن بيت الأرقم بن الأرقم كان يستخدم لغرض الوعظ والاجتماع والعبادة أيضا. أما في فترة ما بعد الهجرة النبوية، فكان للمسجد مكانة استثنائية. لقد كان المسجد النبوي مركز وقلب الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة. كان المسجد مركزا للإرشاد النبوي ولأنشطة التعليم والتربية بالإضافة إلى وظائفه كدار للعبادة، ومركز إداري، ومقر عسكري، ومجلس للشورى. لقد استخدم الرسول المسجد كمركز لبناء شخصية المؤمن، ولإعمار قلوب المؤمنين، وتغذية عقولهم، وتعزيز وحدتهم وأخوّتهم، وترسيخ أواصر المحبة والتضامن بينهم، وتنمية الأبعاد الاجتماعية للإيمان والإسلام. كما قامت أمته التي اتخذت النبي مثالاً وقدوة لها، ببناء حضارة مركزها المساجد.

إن واجب الدعوة إلى دين الإسلام السامي ووظيفة إرشاد المسلمين انتقل إلى أمة محمد ﷺ بعده. لذلك يجب أن يكون أحد أهدافنا الأساسية هو أن نجعل هذا الواجب النبيل أهم عنصر في خدماتنا الدينية. ويجب علينا البحث عن طرقٍ لتحديث لغة الدعوة والإرشاد للإسلام في عالمنا الحاضر، وتطوير طريقة فعالة وذات كفاءة من أجل ذلك. وتقع على عاتقنا مسؤولية تبادل الأفكار وتحديد خارطة طريق حول ما يجب القيام به في ظروف العالم المتغير لإعادة بناء مساجدنا، وتحويلها إلى مدرسة للإرشاد والحكمة، وإعادتها إلى مركزٍ للحياة.