الندوة العالمية للمولد النبوي

لقد خلق الله عز وجل الإنسان كأشرف المخلوقات وجعله في الأرض خليفة. ومنحه العقل والإرادة ليعمر بناء الأرض وليفوز بالجنة الأبدية في الآخرة. إن الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى والكتب التي أنزلها أظهروا لنا الصراط المستقيم في ضوء هدى الحق والحقيقة. ولقد قدّم الإسلام هذا الطريق لنا المسلمين كهدف، ودعانا القرآن الكريم إلى هذا الطريق كما هدانا نبينا الكريم إليه. فإن هذا الطريق هو الصراط المستقيم. ويسمى تنظيم الحياة وفق الصراط المستقيم والمشي بثبات على هذا المسار بالاستقامة.

الاستقامة هي أن يلجأ المرء إلى أمان الله بالإيمان. والإيمان هو أعلى قيمة تضفي معنى على حياتنا، وهو النظام الأساسي الذي يغطي الذات والوجود بالكامل. حيث يجد الإنسان من خلال الإيمان إجابات لأسئلته حول وجوده، والموجودات والوجود الكامل، والحياة، ومعنى الموت والآخرة. ويجمع الإيمان بين شرف الإنسانية وسعادة العبودية. ويغرس الإيمان وعيًا في نفس الإنسان بالسلوك وفقًا لغرض الخلق في العالم؛ ويصوغ تصرف الإنسان ويوجّه أفكاره وقراراته.

إن السير على طريق الاستقامة يمكن عن طريق تطبيق متطلبات الإيمان على الحياة وتحويلها إلى العبادة والأخلاق الحسنة. حيث يقول الله عز وجل في محكم كتابه: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾". (الفاتحة 1 / 5-7) إن انعكاس الإيمان حسب الآية المذكورة على العبادة هو أن يكون الشخص عبدًا لله وحده بالتحرر من النفاق والرياء. وأما انعكاس الإيمان على الأخلاق فهو أن نتخذ الأخلاق الحميدة لنبينا كشعار لنا، وأن نتبناها وننقلها إلى حياتنا ونتخلى عن جميع أنواع الكلمات والسلوكيات التي لا تناسب فطرتنا والتي تبعدنا عن غرض خلقنا. وقال النبي الحبيب ﷺ: "إنّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ." (ابن حنبل، 2، 381)

الاستقامة ليست مقياسا ومعيارا بشريا، إنما يحددها كتابنا العظيم القرآن وسنة نبينا الذي هو قرآن يمشي. قال الله عز وجل: "وَاَنَّ هٰذَا صِرَاطٖي مُسْتَقٖيما فَاتَّبِعُوهُۚ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبٖيلِهٖؕ ذٰلِكُمْ وَصّٰيكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". (أنعام، 6/153) "الٓـرٰࣞ كِتَابٌ اَنْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ بِاِذْنِ رَبِّهِمْ اِلٰى صِرَاطِ الْعَزٖيزِ الْحَمٖيدِۙ ". (الإبراهيم، 14/1) وقال رسول الله ﷺ: "إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وأحسنَ الهديِ هديُ محمَّدٍ". (نسائي، عيدين، 22) لهذا السبب لا يمكن الحديث عن الاستقامة دون اتباع خطى سنة نبينا الذي هو تحت مراقبة الوحي الإلهي. إذ يقول الله عز وجل: "مَنْ يُطِـعِ الرَّسُولَ فَقَدْ اَطَاعَ اللّٰهَۚ". (نساء، 4/80)

كل عصر خلا عن تعاليم نبينا ﷺ الواهبة للحياة بالقرآن، يعتبر عصرا جاهليا. إذا أردنا اليوم الحديث عن الإيمان والاستقامة؛ وإذا أسهمنا في بقاء الاستقامة في عقل وقلوب أطفالنا وشبابنا؛ وإذا أردنا أن نوحد العالم كله بالحياة القائمة على الاستقامة، أي على الإسلام الصحيح؛ فكل ذلك من خلال تعاليم نبينا الحبيب، إذ هو رحمة للبشرية جمعاء. فاليوم، إذا أردنا مساعدة الأشخاص الذين وقعوا في ضعف الإيمان أو حتى الكفر، يمكننا القيام بذلك من خلال اتباع نهج النبي في الدعوة كمثال والتحلي بأخلاقه الفريدة. وإذا أردنا اليوم أن نمد يدنا لخلاص البشرية التي تنجر إلى دوامة أزمة الفكرة المادية، فيمكننا فعل ذلك باتخاذ مثالية نبينا الكريم. وإذا أردنا أن نكون بريق أمل للبشرية التي فقدت استقامتها بين قبضة العلمنة وأصبحت أذهانها تحت سيطرة النظرية الوضعية، فنسيت القيم المعنوية؛ فيمكننا تحقيق ذلك وفق إرشادات نبينا ﷺ. لأن عيش المسلم المخلص يكون باتباع أوامر الإسلام. ولا ننسى أن نركز على الآية الآتية ونصغي إليها: "فَاسْتَقِمْ كَمَٓا اُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْاؕ اِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصٖيرٌ". (هود 11/112) ولا ننسى قول النبي ﷺ: "قُلْ آمَنتُ باللهِ، ثم اسْتَقِمْ". (مسلم، إيمان، 62). إذا التزمنا بإخلاص بمضمون هذه الآية والحديث المذكوريْن، فإننا سوف ننال البشارة الإلهية اللآتية: " اِنَّ الَّذٖينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَـتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلٰٓئِكَةُ اَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَاَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتٖي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت، 41/30).

سيكون موضوع الندوة العالمية للمولد النبوي التي ستعقدها رئاسة الشؤون الدينية لهذا العام "نبينا الكريم والإيمان والاستقامة".