ندوة المولد النبوي الدولية

إنَّ الوفاء، هو بناء علاقة أساسها الأمانة والإخلاص مع الحق سبحانه وتعالى بادئ ذي بدء ومع العائلة والأقارب والأهل والأصدقاء والأصحاب وكذلك مع عالم الموجودات بأكمله. وإن الوفاء، هو بذل الجهد والسعي من أجل الإيفاء بالعهد وحفظه. وهو مراعاة أن يكون القول والجوهر صحيحين ويوافق بعضهما بعضاً. كما أن الوفاء شقيق للصواب والاستقامة والعدالة. أما ’الغدر‘ الذي هو ضد الوفاء، فهو شقيق للكذب والنفاق والظلم.

إن الوفاء هو قيمة وقدر بالنسبة للفرد، وهو استقرار وسعادة بالنسبة للمجتمع. كما أنه من أكثر القيم أساسية ومن أجل الخصال وأعلاها بالنسبة للبنية المجتمعية. حيث أن كافة المعاملات والعقود والعلاقات الاجتماعية هي مرتبطة بالوفاء. وإنه إذا ما برز انعدام الوفاء في مجتمع ما فإن حس الأمان سوف يهتز. وإذا لم يكن العرفان والوفاء قائماً ضمن الحياة الفردية والاجتماعية فإنها تتلف العلاقات الإنسانية، وتفقد روح التكافل والتعاون الاجتماعي، وفي النتيجة يفسد الاستقرار المجتمعي.

إن التحلي بالوفاء والعرفان هو من الإيمان، أما انعدام الوفاء فهو علامة على النفاق. ولهذا السبب، فإن المؤمن يكون وفياً، وينبغي عليه أن يكون وفياً. حيث إن الوفاء هو ما تقتضيه أخلاق المؤمن. ولا شك أن أجل وأعظم الوفاء بالنسبة للمؤمن هو ذلك الوفاء الذي يظهره تجاه ربه سبحانه وتعالى الذي خلقه بصفته أشرف المخلوقات. وإن معرفة الإنسان بمولاه عز وجل، وإيمانه به، وإيفائه بمهمته في الطاعة له سبحانه، هو أعظم الوفاء والعرفان؛ أما إنكاره لربه عز وجل، وعدم اعترافه بعظمته وجلاله، وامتناعه عن العبودية له سبحانه، فهو أعظم الجحود والنكران. ولا ينبغي أن يُنسى أن الإنسان قد تعهد للحق سبحانه وتعالى بالإيمان والطاعة في قوله "قالوا بلى". وبالتالي، فإن الوفاء الحقيقي عند الله سبحانه وتعالى، هو عدم نسيان هذا العهد الذي أعطى الإنسان له سبحانه، وهو إظهار الإخلاص لهذا العهد والميثاق مهما كان الثمن. ولا شك أن الإنسان الذي يكون وفياً تجاه ربه سبحانه وتعالى، يتسم كذلك بالعرفان تجاه عباده سبحانه. حيث أنه يدرك بأن كل شكل من أشكال انعدام الوفاء التي يظهرها لأبويه وزوجه وأبنائه وأقاربه وأصدقائه وكذلك لدنيا الامتحان هذا الذي يأتي إليها ويمر عنها، من شأنه أن يلحق الخلل بحس الوفاء الذي يكنه لله عز وجل.

لقد تلقت القيم الأخلاقية في يومنا الحالي مع الأسف جرحا حقيقياً، كما أنها خرجت عن حياتنا العادية. وإن عاطفة الوفاء أيضاً قد نالت نصيبها من هذا الوضع في هذه الأوقات العصرية تعرت فيها القيم الأخلاقية وانحطت وتدهورت فيها القيم. حيث إن انعدام الوفاء يضرب أطنابه في عالم وإنسان يومنا الحالي. وانعدام الوفاء هذا، يطل برأسه لدى إهمال وظيفة الطاعة تجاه الخالق عز وجل. وعندما يشيع انعدام الوفاء تجاه الحق سبحانه وتعالى، فإنه يُشاهد من يوم لآخر وبكل حزن أن هناك العديد من الآباء والأزواج والأبناء الذين يتركون لوحدهم. كما أن عاطفة الوفاء بالعهد يصيبها الضعف مع العديد من الوعود والأيمان التي لا يتم الإيفاء بها وذلك من خلال تجاهل الحقيقة المتعلقة بكون العهد ملزم الإنسان بالمسؤولية. و اليوم هناك حاجة لاستحضار واستذكار عهدنا مع ربنا عز وجل، ولتجديد ميثاق الوفاء الخاص بنا مع كافة البشرية وسائر الكائنات. وإننا بصفتنا مؤمنين، مكلفون ببناء مجتمع الوفاء من جديد في إطار توجيه وإرشاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الإنسان الوفي ومعلم الوفاء الذي عاش الوفاء ومثله بأعلى مستوياته.